خبل باع عباته


خبل باع عباته



يبقى الإنسان كائنا حيا يتأثر بما يحيطه من مناخ ، وربما أثر المناخ في مشاعره وصحته تأثيرا سلبيا أو إيجابيا ، وهذه سنة الله مع خلقه وفي كونه ، ومازال الإنسان الأكبر سنا ينقل تجاربه المناخية للإنسان الأصغر نصحا له وإرشادا ، بل ينقل تدويناته وأحداث زمنه جمعاء، من ذلك مثل شاع عند العرب في جزيرتهم ببرد ( بياع الخبل عباته ) ، كم تمج النفس البشرية المؤدبة المتذوقة من هذا المثل ! ، وكيف قبلت أن يؤرخ زمانها ببيعة خبل ؟ ! ، سواء كان هذا المثل متخيلا أم من واقعية زمن سالف ، وإلا ، هل كان لباس ذاك الخبل هي العباءة دون غيرها ؟ ! ومادام مصابا بداء الخبل فأين ذويه من الخامس واللامس في إرشاده ؟ وكيف تنعقد بيعة خبل لايعرف شروط البيع وثمن المبيع ؟ ! وهل تعني هذه البيعة معرفة بعض ماتنطوي عليه النفوس من خبث بشري إضرارا ببعضها ؟ ! ، وهل هي بيعة واحدة أم متكررة كل عام منفردة من هذا الخبل بدلالة صيغة ( بياع ) التي جاءت على وزن المبالغة ذات الكثرة ( فعال ) ؟ ! وأيهما أولى في التحذير منه ، داء الخبال ، أم برد ربما أزكم وأمرض وصح جسد صاحبه بعد ذلك ؟ ! ، وهل هذا المثل قول متكرر ، أم خبال متجذر ؟ ! ، وهل رأينا خبلا باع عباءته في زمننا المتأخر ليتجدد المثل فيمكن قبوله ؟ ! وهل يصح ضرب هذا المثل في هذا الزمن ولباس الواحد منا يكفي لباس قطين متجاور في سالف زمن ؟ وما الفائدة من إثارة هذا المثل إعلاميا في نشرات الطقس الإرشادية ؟ ! والعالم يتفرج من الفرس والروم والسند والهند و … على طقسنا وطريقة تعبيرنا الكلامي في توضيحه ، إن لغتنا العربية مليئة بالثروة الكلامية لتسمية هذا البرد الذي يعقب الدفء المعلن لنهاية الشتاء القارس لينتبه العقلاء والخبلاء منه بلغة سليمة ذات إبداع ونصح صادق بعيدا عن السخرية والظنون المتورمة كبرا وحسدا وخبثا . إن الخبال داء يصيب العقل فيفسد تفكيره ، وما استشهادنا بهذا المثل ( بياع الخبل عباته ) إلا نسبة من الخبال أيضا ممزوجة باحتقار جيل غاب عن ناظرنا من بشرية عاشت ببساطة فوق هذا الكوكب ، ثم توسدت باطنه ، وفق شريعة منزلة ، إن الأمثال تعني فكر له دلالاته ، والمثل مأخوذ من المثال لمن يريد أن يتأمل ويحلل ، بل هي تجربة نقلت بواسطة لغة ، ولكل مثل مورد ومضرب ، ولايصح أن يكون المثل مضربا في جميع الأزمان والأماكن ، إن المثل عصارة عقول ، وتصور حياة ، وذاكرة زمن ، ولكل جيل أمثلته ، ويبقى تداول المثل السلبي طريقة لاتخلو من تزكية واقع باحتقار ماض ، وهذا لعمري صنيع نذالة ، وسوء طوية لايقدم عليها سوى خبيث نية ، فهيا لهجر الأمثال ذات الألفاظ المبتذلة ، ويكفينا من الأمثال العربية ما أبدع لفظه ، وصح معناه ، وحفظ لنا الزمن أصالته بعيدا عن كل مايخدش الأدب من محفوظ ليس له سند .


1 ping

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *