تـأمليــة زمــن .


تـأمليــة زمــن .



يمضي الوقت ، وينصرم الزمن ، ويتعاقب الجديدان طلوعا ، ويتمحق الهلال تلو الهلال ، وتتغير أرقام الزمن صبيحة كل يوم ، بل كل ساعة ، بل كل لحظة ، زمن كله تأمل ، لمروره بصمة ، كينونتها صرخة ولادة ، ثم جسد يسبح أرضا بحبوية مثيرة ، ثم طفولة بريئة لاهية ، ثم الشباب وآلامه وآماله ، فالرجولة العاقلة ثم الشيخوخة فالكهولة حيث النهاية تقترب ، وعقارب الزمن بانت للعيان ، سواد شعر يبيض، ونظر عين يقرب ، وانحناء قامة ، وسمع أذن يثقل ، ورجلان يتبادلان الخطى بقرب ، ومزاجية تفكير تتبدل ، وجلد جسد يتجعد ، وثرمة سن تبين ، وجسم كامل يترنح يمنة ويسرة من طول زمن ، وربما صاحب الجسد بعض الجمادات ؛ محاولة لاثبات الوجود ، وتحقيقا لأمل يتطلب عملا ، وهيهات هيهات ، فكم من أجساد تصادقت مع عصا المشي ، ونظارة العينين ، وسماعة الأذنين ! ،

إن للزمن في أرواح البشر علامة ، فكل وزمانه ، حيث الطفل يعيش لحظته ، والشاب يشغله مستقبله تفكيرا ، والمسن يزعجه ماضيه تأملا ، فزمن الأول فرحة ، وزمن الأوسط قلق وإزعاج ، وزمن الأخير بكائية ورثاء ، ربما إحساس بقرب نهاية فرصة الحياة إلى حياة أخرى ، هي خير وأبقى لمن عمل لها، إن من رحمة الله بأحدنا في عمره أن يعيش مع كائنات بشرية ، بعضها سبقك زمانا ، وبعضها تأخر عنك بعض زمانه ، وأنت متوسط بينهما زمنا ، يسوقك الجديدان ، لتقطع المرحلة المتبقية المقدرة بآلامها وآمالها ، إنها دعوة للتأمل بمن حولك من كائن بشري عتيق ، ثم مجالسته ، واستنطاق مالديه من مكنون نفس ، ومحفوظ ذاكرة ، بل واستنتاج بعض قناعاته ، ومرئياته ، وموازناته ، وتحليلاته ، تجاه زمن تغير فيه حتى الإحساس به ، لتدرك بعد ذلك أن الزمن آية من آيات الله ، وأن من يتأثر به آية أخرى ، أحلام تتبدد ، وأفكار تتجدد ، ومناظر تتعدد ، وربما مرت لحظات زمن تبتهج فرحا، وتقشعر سعادة عندما تجد من يفهم الحياة بنظرة حق معتدلة وفق سنن الله الكونية والشرعية ، لتعيش معه بعض زمن أنيس ، ويبقى ذلك الزمن الذي قضيته ذكرى مأنوسة تبعث على الهدوء والسعادة والفائدة ، وربما في ذات اللحظة على الحنين المحزن ، حيث إن المشاعر تشتد مع الذكرى حنينا وألما وأملا ، وللزمن مع الشعور والمشاعر والفكر والأفكار تبدلات وتحولات . إن دقات قلب الإنسان ونبضاته هي ثواني الزمن لو يشعر الإنسان ؛ إذ وفق أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال : دقات قلب المرء قائلة له / إن الحياة دقائق وثواني ،

وأخيرا أهمس همسة : إن حياتنا زمن ، وكلما تقدم الزمن استهلكنا ، فهنيئا لمن قضى زمنه علما وعملا ، وأملا وتأملا ، وإفادة واستفادة ، وإسعادا وسعادة .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *